العالم الافتراضي البعد الثالث لحياتنا الإجتماعية

منذ أن دخلت هذا الخضم الذي نسميه أحيانا “بالعالم الإفتراضي” وأنا صريع أفكار عن ماهيته، وأثره عليا وعلى من حولي، لكنها أفكار كانت تأبى أن تتشكل لتخرج نصا يفهمه القارئ، فيضطرني ذلك لؤدها، إلى أن أيقظتها حاجتي الملحة لترتيب حياتي في العالمين معا، ثم ساعدتني بعض النقاشات مع رواد هذا العالم، ومشاهدتي لفيلمي Avatar و surrogates ، الذي أثار خواطري  في هذا الموضوع.

مواطنوا العالم الإفتراضي
العالم الإفتراضي” مصطلح ظهر مع بداية المجتمعات الإلكترونية، وأصبح أكثر تداولا مع الجيل الجديد من الشبكات الإجتماعية والمجتمعات الإفتراضية، وتضاعف نسبة المشتركين فيها باستمرار، بل وقضاء معظم “مواطني” هذا العالم،وقتا أكثر مما يقضونه في “العالم الواقعي” . أشخاص واقعيون -نعم، يدخلون هذا العالم بأسماء حقيقة أو رمزية، يتصفحون، يحاورون، يتآلفون، يشتاقون، وفي لحظة ما، تتلاشى تلك الحدود العقلية بين العالمين معا، بين الواقع والشبكة، بين الحقيقة والوهم. ويكبر الخوف من علامة X في الشريط العلوي، ومعه تكبر حمى النقر والتحديث ويكون زر f5 الأكثر اهتراء في لوحة المفاتيح، فنأخذ من حياتنا قطعة قطعة لنبني بها صرح المجد الوهمي، ونقطع الرحم المعلقة بالعرش، لنصل “جدار” عمرو  أو صفحة زيتونة بكلمة طيبة، enter ثم f5 مرة أخرى، في انتظار “رد التحية ".

خصائص العالم الافتراضي
رغم ما يتقاطع فيه العالمين معا، لدرجة يصعب التفريق بينهما، مما يدفع البعض للقول أنه لا فاصل بينهما إلا الشاشة المسطحة، وبعيدا عن القائل بان العالم هو ذلك الذي يختبىء في عقلك و قلبك لا في الشاشة ولا في الشارع، أحب أن ألخص خصائص العالم الافتراضي كما أراها، وانعكاسها على حياتنا الأخرى:

الإنتقائية: نحن في هذا العالم ننتقي الأشخاص انتقاء، لا يفرض علينا أي شخص، بل نختار لكل يوم من نقرأ لهم، من نحدثهم، من نرتاح إليهم، يسهل التقصي عن أي شخص قبل إضافته، فتجول الشبكة طولا وعرضا تبحث عن حياته واهتماماته وفكره قبل أن تضمه إلى شبكتك، لا يهمك إن كان يصطنع “مثاليته” تلك على الشبكة ولو كان “نذلا” في حياته الواقعية، لأنك تهتم ببساطة بشخصيته الإفتراضية، ب”الأنا الآخر” الذي يمثله هنا. إذا تعودنا على هذه الإنتقائية في هذا العالم سنجد صعوبة في عالم واقعي لا تستطيع انتقاء الأشخاص فيه، ففي مكان عملك ألف نذل يفرض عليك رؤيتهم واللقاء بهم، وفي كليتك أو مدرستك ألف أخرى، في عائلتك الكبيرة بعض الاقارب كالعقارب، لكنك لا تستطيع أن تحذفه من القائمة بنقرة زر، رجاء لا تفكر في الامر، لن تستطيع.

المثاليةوهي مرتبطة بسابقتها، فبعد أن تبني مجتمع المثالي على الشبكة بانتقائية كاملة، سيصير أفضل من المجتمع الآخر في الجزء الآخر من الشاشة، لن تكون محظوظا بنقل كل معارفك في هذا العالم إلى العالم الواقعي، ولن تكون محظوظا بأن تجد كل شخص كما هو في العالم الآخر، أضف إلى ذلك طبيعتك أنت، في الشبكة أنت لا تكترث لسمنة فلان المفرطة، ولا لأنف فلان الأفطح، ولا للون فلانة السوداء، قد تكون على الشبكة مثاليا كالبقية، لكن هل ستتقبل هؤلاء في حياتك الأخرى؟ ألست عنصريا بالمناسبة؟

السلامةمهما وصلت خلافاتك في ذلك المجتمع، لن تصاب بأذى، قد تتحجج بان هناك أذى نفسيا ومعنويا، صدقني، لن تريد مصاحبته بألم جسدي، قد يحظرون مدونتك، قد تتلقى كيلا من الشتائم، لكنك تظل آمنا، لذلك،أكثر الناس لطفاء في الشبكة، حتى الأنذال منهم.

أيقونة صالحة، وأيقونة طالحة
ختاما، هنا في العالم الافتراضي، أنت أيقونة إلكترونية تحمل إسما، تكتب نصا، وتحاور بلطف أحيانا، قد تكون أيقونة مفيدة يتم وضعك في المفضلة، أو تنتهي -عذرا- إلى المزبلة، قد يصنفك الناس في صنيف funny في تويتر، أو creative Poeple في برنامج المحادثة، لكنك لست أنت، فلا تبن أحلامك هنا، لا تعتمد على شعبيتك هنا، لا تجعل هذا العالم حفرتك الاجتماعية.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire